الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا}، مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ، كَانُوا جِبْرِيلَ وَمَلَكَيْنِ آخَرَيْنِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلَكَيْنِ الْآخَرَيْنِ كَانَا مِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ مَعَهُ (إِبْرَاهِيمُ)، يَعْنِي: إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ (بِالْبُشْرَى)، يَعْنِي: بِالْبِشَارَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْبِشَارَةِ الَّتِي أَتَوْهُ بِهَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْبِشَارَةُ بِإِسْحَاقَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْبِشَارَةُ بِهَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ. {قَالُوا سَلَامًا}، يَقُولُ: فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ سَلَامًا. وَنُصِبَ "سَلَامًا" بِإِعْمَالِ "قَالُوا" فِيهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: قَالُوا قَوْلًا وَسَلَّمُوا تَسْلِيمًا. {قَالَ سَلَامٌ}، يَقُولُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَهُمْ: سَلَامٌ فَرَفَعَ "سَلَامٌ"، بِمَعْنَى: عَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَوْ بِمَعْنَى: سَلَامٌ مِنْكُمْ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ: "سِلْمٌ" بِمَعْنَى السَّلَامِ، كَمَا قَالُوا: "حِلٌّ وَحَلَالٌ"، وَحِرْمٌ وَحَرَامٌ". وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ أَنْشَدَهُ: مَرَرْنَا فَقُلْنَا إِبْهِ سِلْمٌ فَسَلَّمَتْ *** كَمَا اكْتَلَّ بِالْبَرْقِ الْغَمَامُ الَّلوَائِحُ بِمَعْنَى سَلَامٍ. وَقَدْ رُوِيَ "كَمَا انْكُلَّ". وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ: نَحْنُ سِلْمٌ لَكُمْ مِنْ "الْمُسَالَمَةِ" الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْمُحَارَبَةِ. وَهَذِهِ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ، {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ}، عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ مَنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ، بِنَحْوِ تَسْلِيمِهِمْ: عَلَيْكُمُ السَّلَامُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ "السِّلْمَ "قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى "السَّلَام" عَلَى مَا وَصَفَتُ، وَ "السَّلَامُ " بِمَعْنَى "السِّلْمِ"، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَكَادُ يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ أَهْلِ السِّلْمِ دُونَ الْأَعْدَاءِ، فَإِذَا ذَكَرَ تَسْلِيمٌ مِنْ قَوْمٍ عَلَى قَوْمٍ، وَرَدُّ الْآخَرِينَ عَلَيْهِمْ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُسَالَمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلُ قُدْوَةٍ فِي الْقِرَاءَةِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ. وَقَوْلُهُ: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}. وَأَصْلُهُ "مَحْنُوذٌ"، صُرِفَ مِنْ "مَفْعُولٍ" إِلَى "فَعِيلٍ". وَقَدَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهُمْ مَعْنَى "الْمَحْنُوذِ": الْمَشْوِيِّ، قَالَ: وَيُقَالُ مِنْهُ: "حَنَذْتُ فَرَسِي"، بِمَعْنَى سَخَّنْتُهُ وَعَرَّقْتُهُ. وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الرَّاجِزِ: وَرَهِبَا مِنْ حَنْذِهِ أَنْ يَهْرَجَا *** وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: "حَنَذَ فَرَسُهُ": أَيْ أَضْمَرَهُ، وَقَالَ: قَالُوا حَنَذَهُ يَحْنِذُهُ حَنْذًا: أَيْ: عَرَّقَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: كُلُّ مَا انْشَوَى فِي الْأَرْضِ، إِذَا خَدَدْتَ لَهُ فِيهِ، فَدَفَنْتُهُ وَغَمَمْتُهُ، فَهُوَ "الْحَنِيذُ" وَ "المَحْنُوذُ". قَالَ: وَالْخَيْلُ تُحْنَذُ، إِذَا الْقَيْتُ عَلَيْهَا الْجِلَالُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِتَعْرَقَ. قَالَ: وَيُقَالُ: "إِذَا سَقَيْتَ فَأَحْنِذْ"، يَعْنِي: أَخْفِسْ، يُرِيدُ: أَقَلَّ الْمَاءِ، وَأَكْثَرَ النَّبِيذِ. وَأَمَّا [أَهْلُ] التَّأْوِيلِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي مَعْنَاهُ مَا أَنَا ذَاكِرُهُ، وَذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، يَقُولُ: نَضِيجٌ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، قَالَ: "بِعِجْلٍ"، حَسِيلِ الْبَقَرِ، وَ "الحَنِيذُ": الْمَشْوِيُّ النَّضِيجُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} إِلَى {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، قَالَ: نَضِيجٌ، سُخِّنَ، أُنْضِجَ بِالْحِجَارَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، وَ "الحَنِيذُ": النَّضِيجُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، قَالَ: نَضِيجٌ. قَالَ: [ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ]: وَ "الحَنِيذُ": الَّذِي يُحْنَذُ فِي الْأَرْضِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرٍ فِي قَوْلِهِ: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، قَالَ: "الْحَنِيذُ": الَّذِي يَقْطُرُ مَاءً، وَقَدْ شُوِيَ وَقَالَ حَفْصٌ: "الْحَنِيذُ": مِثْلَ حِنَاذِ الْخَيْلِ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ السُّدِّيِّ قَالَ: ذَبَحَهُ ثُمَّ شَوَاهُ فِي الرَّضْفِ، فَهُوَ "الْحَنِيذُ" حِينَ شَوَاهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، قَالَ: الْمَشْوِيُّ الَّذِي يَقْطُرُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَامٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: "الْحَنِيذُ" الَّذِي يَقْطُرُ مَاؤُهُ وَقَدْ شُوِيَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنْ الضَّحَّاكِ: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، قَالَ: نَضِيجٌ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، الَّذِي أُنْضِجَ بِالْحِجَارَةِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}، قَالَ: مَشْوِيٌّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهَبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: "حَنِيذٍ"، يَعْنِي: شُوِيَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ، "الْحِنَاذُ": الْإِنْضَّاجُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَهْلِ التَّفْسِيرِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. وَمَوْضِعُ "أَنْ" فِي قَوْلِهِ: {أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} نَصْبٌ بِقَوْلِهِ: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَى الْعَجَلِ الَّذِي أَتَاهُمْ بِهِ، وَالطَّعَامِ الَّذِي قُدِّمَ إِلَيْهِمْ، نَكِرَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ طَعَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فِيمَا ذُكِرَ، كَفُّوا عَنْ أَكْلِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَأْكُلُهُ. وَكَانَ إِمْسَاكُهُمْ عَنْ أَكْلِهِ، عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ، وَهُمْ ضِيفَانُهُ مُسْتَنْكِرًا. وَلَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ مَعْرِفَةٌ، وَرَاعَهُ أَمْرَهُمْ، وَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُمْ خِيفَةً. وَكَانَ قَتَادَةَ يَقُولُ: كَانَ إِنْكَارُهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}، وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ فَلَمْ يُطْعَمْ مِنْ طَعَامِهِمْ، ظَنُّوا أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ بِخَيْرٍ، وَأَنَّهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَرٍّ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ}، قَالَ: كَانُوا إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِمْ، ظَنُّوا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِخَيْرٍ، وَأَنَّهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَرٍّ، ثُمَّ حَدَّثُوهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا جَاؤُوا. وَقَالَ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْأُسُودِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ ضَيْفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَرَّبَ إِلَيْهِمُ الْعَجَلَ، فَجَعَلُوا يَنْكُتُونَ بِقِدَاحٍ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ نُبْلٍ، وَلَا تَصِلُ أَيْدِيَهُمْ إِلَيْهِ، نَكِرَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ. يُقَالُ مِنْهُ: "نَكَرْتُ الشَّيْءَ أُنْكِرُهُ"، وَ"أَنْكَرْتُهُ أُنْكِرُهُ "، بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمِنْ "نَكَرْتُ" وَ"أَنْكَرْتُ"، قَوْلُ الْأَعْشَى: وَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكِرَتْ *** مِنَ الْحَوَادِثِ، إِلَّا الشَّيْبَ وَالصَّلَعَا فَجَمَعَ اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا فِي الْبَيْتِ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ: فَنَكِرْنَهُ، فَنَفَرْنَ، وَامْتَرَسَتْ بِهِ *** هَوْجَاءٌ هَادِيَةٌ وَهَادٍ جُرْشُعُ وَقَوْلُهُ: {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}، يَقُولُ: أَحَسَّ فِي نَفْسِهِ مِنْهُمْ خِيفَةً وَأَضْمَرَهَا. {قَالُوا لَا تَخَفْ}، يَقُولُ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ، لَمَّا رَأَتْ مَا بِإِبْرَاهِيمَ مِنَ الْخَوْفِ مِنْهُمْ: لَا تَخَفْ مِنَّا وَكُنْ آمِنًا، فَإِنَّا مَلَائِكَةُ رَبِّكَ {أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَامْرَأَتُهُ)، سَارَةُ بِنْتُ هَارَانَ بْنِ ناحورَ بْنِ سَارُوجَ بْنِ رَاعو بْنِ فَالِغ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّ إِبْرَاهِيمَ (قَائِمَةٌ)، قِيلَ: كَانَتْ قَائِمَةً مِنْ وَرَاءِ السَّتْرِ تَسْمَعُ كَلَامَ الرُّسُلِ وَكَلَامَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقِيلَ: كَانَتْ قَائِمَةً تَخْدُمُ الرُّسُلَ، وَإِبْرَاهِيمُ جَالِسٌ مَعَ الرُّسُلِ. وَقَوْلُهُ: (فَضَحِكَتْ)، اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ (فَضَحِكَتْ)، وَفِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ ضَحِكَتْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ضَحِكَتِ الضَّحِكَ الْمَعْرُوفَ، تَعَجُّبًا مِنْ أَنَّهَا وَزَوْجَهَا إِبْرَاهِيمَ يَخْدُمَانِ ضِيفَانَهُمْ بِأَنْفُسِهِمَا، تَكْرِمَةً لَهُمْ، وَهُمْ عَنْ طَعَامِهِمْ مُمْسِكُونَ لَا يَأْكُلُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ، بَعَثَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ لِتُهْلِكَ قَوْمَ لُوطٍ، أَقْبَلَتْ تَمْشِي فِي صُورَةِ رِجَالٍ شَبَابٍ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَتَضَيَّفُوهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ إِبْرَاهِيمُ أَجَلَّهُمْ، فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ، فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَذَبَحَهُ ثُمَّ شَوَاهُ فِي الرَّضْفِ، فَهُوَ "الْحَنِيذُ" حِينَ شَوَاهُ. وَأَتَاهُمْ فَقَعَدَ مَعَهُمْ، وَقَامَتْسَارَةُتَخْدِمُهُمْ. فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ وَهُوَ جَالِسٌ} فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. فَلَمَّا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ؟ قَالُوا: يَا إِبْرَاهِيمُ، إِنَّا لَا نَأْكُلُ طَعَامًا إِلَّا بِثَمَنٍ. قَالَ: فَإِنَّ لِهَذَا ثَمَنًا! قَالُوا: وَمَا ثَمَنُهُ؟ قَالَ: تَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ، وَتَحْمَدُونَهُ عَلَى آخِرِهِ. فَنَظَرَ جِبْرِيلُ إِلَى مِيكَائِيلَ فَقَالَ: حُقَّ لِهَذَا أَنْ يَتَّخِذَهُ رَبُّهُ خَلِيلًا! فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ يَقُولُ: لَا يَأْكُلُونَ فَزِعَ مِنْهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِسَارَةُأَنَّهُ قَدْ أَكْرَمَهُمْ وَقَامَتْ هِيَ تَخْدِمُهُمْ، ضَحِكَتْ وَقَالَتْ: عَجَبًا لِأَضْيَافِنَا هَؤُلَاءِ، إِنَّا نَخْدِمُهُمْ بِأَنْفُسِنَا تَكْرِمَةً لَهُمْ، وَهُمْ لَا يَأْكُلُونَ طَعَامَنَا ! وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضَحِكَتْ مِنْ أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ فِي غَفْلَةٍ وَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ اللَّهِ لِهَلَاكِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا أَوْجَسَ إِبْرَاهِيمُ خِيفَةً فِي نَفْسِهِ حَدَّثُوهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا جَاؤُوا فِيهِ، فَضَحِكَتِ امْرَأَتُهُ وَعَجِبَتْ مِنْ أَنَّ قَوْمًا أَتَاهُمُ الْعَذَابُ، وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ. فَضَحِكَتْ مِنْ ذَلِكَ وَعَجِبَتْ {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: ضَحِكَتْ تَعَجُّبًا مِمَّا فِيهِ قَوْمُ لُوطٍ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَمِمَّا أَتَاهُمْ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضَحِكَتْ ظَنًّا مِنْهَا بِهِمْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ}، قَالَ: لَمَّا جَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ ظَنَّتْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا كَمَا يَعْمَلُ قَوْمُ لُوطٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضَحِكَتْ لَمَّا رَأَتْ بِزَوْجِهَا إِبْرَاهِيمَ مِنَ الرَّوْعِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ: (فَضَحِكَتْ)، قَالَ: ضَحِكَتْ حِينَ رَاعُوا إِبْرَاهِيمَ مِمَّا رَأَتْ مِنَ الرَّوْعِ، بِإِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضَحِكَتْ حِينَ بُشِّرَتْ بِإِسْحَاقَ تَعَجُّبًا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ عَلَى كِبَرِ سِنِّهَا وَسَنِّ زَوْجِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: لَمَّا أَتَى الْمَلَائِكَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَآهُمْ، رَاعَهُ هَيْئَتَهُمْ وَجِمَالَهُمْ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَجَلَسُوا إِلَيْهِ، فَقَامَ فَأَمَرَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَحُنِذَ لَهُ، فَقَرَّبَ إِلَيْهِمُ الطَّعَامَ {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}، وَسَارَةُوَرَاءَ الْبَيْتِ تَسْمَعُ، قَالُوا: لَا تَخَفْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ مُبَارَكٍ! وَبَشَّرَ بِهِ امْرَأَتَهُسَارَةَ، فَضَحِكَتْ وَعَجِبَتْ: كَيْفَ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَأَنَا عَجُوزٌ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ! فَقَالُوا: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ؟ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ! فَقَدْ وَهَبَهُ اللَّهُ لَكُمْ، فَأَبْشِرُوا بِهِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يَتَأَوَّلُ هَذَا التَّأْوِيلَ: إِنَّ هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ، فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، فَضَحِكَتْ وَقَالَتْ: يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُّ وَأَنَا عَجُوزٌ؟ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ: "فَضَحِكَتْ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: فَحَاضَتْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السُّكُونِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَارُونَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: (فَضَحِكَتْ)، قَالَ: حَاضَتْ، وَكَانَتِ ابْنَةُ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةٍ. قَالَ: وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِائَةٍ سَنَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضَحِكَتْ سُرُورًا بِالْأَمْنِ مِنْهُمْ، لَمَّا قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ: لَا تَخَفْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ خَافَهُمْ وَخَافَتْهُمْ أَيْضًا كَمَا خَافَهُمْ إِبْرَاهِيمُ. فَلَمَّا أَمِنَتْ ضَحِكَتْ، فَأَتْبَعُوهَا الْبِشَارَةَ بِإِسْحَاقَ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ "ضَحِكَتْ"، بِمَعْنَى: حَاضَتْ، مِنْ ثِقَةٍ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْحِجَازِ أَخْبَرَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ "ضَحِكَتِ الْمَرْأَةُ"، حَاضَتْ. قَالَ: وَقَدْ قَالَ: "الضَّحِكُ"، الْحَيْضُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: "الضَّحِكُ": الثَّغْرُ، وَذَكَرَ بَيْتَ أَبِي ذُؤَيْبٍ: فَجَاءَ بِمِزْجٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ *** هُوَ الضَّحْكُ إِلَّا أَنَّهُ عَمَلُ النَّحْلِ وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ أَنْشَدَهُ فِي الضَّحِكِ بِمَعْنَى الْحَيْضِ: وَضِحْكُ الْأَرَانِبِ فَوْقَ الصَّفَا *** كَمِثْلِ دَمِ الْجَوْفِ يَوْمَ اللِّقَا قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ سُمِعَ لِلْكُمَيْتِ: فَأَضْحَكَتِ الضِّبَاعُ سُيُوفُ سَعْدٍ *** بِقَتْلَى مَا دُفِنَّ وَلَا وُدِينَا وَقَالَ: يُرِيدُ الْحَيْضَ. قَالَ: وَبِلْحَرْثِ بْنِ كَعْبٍ يَقُولُونَ: "ضَحِكَتِ النَّخْلَةُ"، إِذَا أَخْرَجَتِ الطَّلْعُ أَوِ الْبُسْرُ. وَقَالُوا: "الضَّحِكُ" الطَّلْعُ. قَالَ: وَسَمِعْنَا مَنْ يَحْكِي: "أَضْحَكَتْ حَوْضًا" أَيْ مَلَأَتْهُ حَتَّى فَاضَ. قَالَ: وَكَأَنَّ الْمَعْنَى قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَمْتَلِئُ فَيَفِيضُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: "فَضَحِكَتْ" فَعَجِبَتْ مِنْ غَفْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ عَمًّا قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَغَفْلَتِهِمْ عَنْهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّهُ ذُكِرَ عُقَيْبَ قَوْلِهِمْ لِإِبْرَاهِيمَ: {لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ لَا وَجْهَ لِلضَّحِكِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ قَوْلِهِمْ لِإِبْرَاهِيمَ: (لَا تَخَفْ)، كَانَ الضَّحِكُ وَالتَّعَجُّبُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَمْرِ قَوْمِ لُوطٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبَشَّرْنَاسَارَةَ امْرَأَةَ إِبْرَاهِيمَثَوَابًا مِنَّا لَهَا عَلَى نَكِيرِهَا وَعَجَبِهَا مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ {بِإِسْحَاقَ}، وَلَدًا لَهَا {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، يَقُولُ: وَمِنْ خَلْفِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، مِنَ ابْنِهَا إِسْحَاقَ. وَ "الوَرَاءُ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَدُ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، قَالَ: الْوَرَاءُ: وَلَدُ الْوَلَدِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، حَدَّثَنِي أَبُو الْيَسَعَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ مَوْلَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ جَدِّي أَبِي الْمُغِيرَةَ بْنِ مِهْرَانَ، فِي مَسْجِدِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ بِنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُغِيرَةَ مَنْ هَذَا الْفَتَى؟ قَالَ: ابْنِي مِنْ وَرَائِي، فَقَالَ الْحَسَنُ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، قَالَ: وَلَدُ الْوَلَدِ هُوَ "الْوَرَاءُ". حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، قَالَ: "الْوَرَاءُ"، وَلَدُ الْوَلَدِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: وَلَدُ الْوَلَدِ: هُمُ الْوَلَدُ مِنَ الْوَرَاءِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَعَهُ ابْنُ ابْنِهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ ابْنِي. قَالَ: هَذَا وَلَدُكَ مِنَ الْوَرَاءِ! قَالَ: فَكَأَنَّهُ شَقَّ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، فَوَلَدُ الْوَلَدِ هُمُ الْوَرَاءُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: لَمَّا ضَحِكَتْسَارَةُ. وَقَالَتْ: "عَجَبًا لِأَضْيَافِنَا هَؤُلَاءِ، إِنَّا نَخْدِمُهُمْ بِأَنْفُسِنَا تَكْرِمَةً لَهُمْ وَهُمْ لَا يَأْكُلُونَ طَعَامَنَا "! قَالَ لَهَا جِبْرِيلُ: أَبْشِرِي بِوَلَدٍ اسْمُهُ إِسْحَاقَ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ. فَضَرَبَتْ وَجْهَهَا عَجَبًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا}، [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 29]. وَقَالَتْ: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بِعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} قَالُوا {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}، قَالَتْسَارَةُ: مَا آيَةٌ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِهِ عُودًا يَابِسًا فَلَوَاهُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَاهْتَزَّ أَخْضَرٌ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: هُوَ لِلَّهِ إِذًا ذَبِيحًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: (فَضَحِكَتْ) يَعْنِيسَارَةَلَمَّا عَرَفَتْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَلِمَا تَعْلَمُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ فَبَشَّرُوهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ- بِابْنٍ وَبِابْنِ ابْنٍ-. فَقَالَتْ وَصَكَّتْ وَجْهَهَا يُقَالُ: ضَرَبَتْ عَلَى جَبِينِهَا: {يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ}، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ: (وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ)، بِرَفْعِ "يَعْقُوبَ "، وَيُعِيدُ ابْتِدَاءَ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ. {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مُبْتَدًأ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَعْنَى التَّبْشِيرِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ، {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} نَصْبًا. فَأَمَّا الشَّامِيُّ مِنْهُمَا، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْحُو ب" يَعْقُوبَ " نَحْوَ النَّصْبِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ آخَرَ مُشَاكِلٍ لِلْبِشَارَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَوَهَبَنَا لَهُ مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ. فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ "وَهَبْنَا" عَمِلَ فِيهِ "التَّبْشِيرُ" وَعَطَفَ بِهِ عَلَى مَوْضِعِ "إِسْحَاقَ "، إِذْ كَانَ "إِسْحَاقُ" وَإِنْ كَانَ مَخْفُوضًا، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمَنْصُوبِ بِعَمَلِ "بَشَّرْنَا"، فِيهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: جِئْنِي بِمِثْلِ بَنِي بَدْرٍ لِقَوْمِهِمِ *** أَوْ مِثْلَ أُسَْرَةِ مَنْظُورِ بْنِ سَيَّارِ أَوْ عَامِرَ بْنَ طُفَيْلٍ فِي مُرَكَّبِهِ *** أَوْ حَارِثًا، يَوْمَ نَادَى الْقَوْمُ: يَا حَارِ وَأَمَّا الْكُوفِيُّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِتَأْوِيلِ الْخَفْضِ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّهُ نَصَبَهُ لِأَنَّهُ لَا يُجْرَى. وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَجْلِ دُخُولِ الصِّفَةِ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالِاسْمِ. وَقَالُوا: خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ: "مَرَرْتُ بِعَمْرٍو فِي الدَّارِ وَفِي الدَّارِ زِيدٍ " وَأَنْتَ عَاطِفٌ ب "زِيدٍ" عَلَى "عَمْرٍو"، إِلَّا بِتَكْرِيرِ الْبَاءِ وَإِعَادَتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَعُدْ كَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ عِنْدَهُمُ الرَّفْعُ، وَجَازَ النَّصْبُ، فَإِنْ قُدِّمَ الِاسْمُ عَلَى الصِّفَةِ جَازَ حِينَئِذٍ الْخَفْضُ، وَذَلِكَ إِذَا قُلْتَ: "مَرَرْتُ بِعَمْرٍو فِي الدَّارِ وَزَيْدٍ فِي الْبَيْتِ". وَقَدْ أَجَازَ الْخَفْضَ, وَالصِّفَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالِاسْمِ، بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ رَفْعًا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالَّذِي لَا يَتَنَاكَرُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَمَا عَلَيْهِ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ. فَأَمَّا النَّصْبُ فِيهِ فَإِنَّ لَهُ وَجْهًا، غَيْرَ أَنِّي لَا أُحِبُّ الْقِرَاءَةَ بِهِ، لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ نَزَلَ بِأَفْصَحِ أَلْسُنِ الْعَرَبِ، وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْعِلْمِ بِالَّذِي نَزَلَ بِهِ مِنَ الْفَصَاحَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْسَارَةُلَمَّا بُشِّرَتْ بِإِسْحَاقَ أَنَّهَا تَلِدُ, تَعَجُّبًا مِمَّا قِيلَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ، إِذْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتِ السِّنَّ الَّتِي لَا يَلِدُ مَنْ كَانَ قَدْ بَلَغَهَا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ يَوْمَئِذٍ ابْنَةَ تِسْعِ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ. وَقَدْ ذَكَرَتِ الرِّوَايَةُ فِيمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَبْلُ. وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَتْسَارَةُيَوْمَ بُشِّرَتْ بِإِسْحَاقَ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، ابْنَةَ تِسْعِينَ سَنَةً، وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ. (يَا وَيْلَتَا) وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ وَالِاسْتِنْكَارِ لِلشَّيْءِ، فَيَقُولُونَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ: "وَيْلُ أُمِّهِ رَجُلًا مَا أَرْجَلَهُ"! وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي هَذِهِ الْأَلِفِ الَّتِي فِي: {يَا وَيْلَتَا}. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: هَذِهِ أَلِفٌ حَقِيقَةٌ، إِذَا وَقَفْتَ قُلْتَ: "يَا وَيْلَتَاهُ"، وَهِيَ مِثْلُ أَلِفِ النُّدْبَةِ، فَلَطَفَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي السَّكْتِ، وَجُعِلَتْ بَعْدَهَا الْهَاءُ لِتَكُونَ أَبْيَنَ لَهَا، وَأَبْعَدَ فِي الصَّوْتِ. ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَلْفَ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ حَرْفَيْنِ كَانَ لَهَا صَدًى كَنَحْوِ الصَّوْتِ يَكُونُ فِي جَوْفِ الشَّيْءِ فَيَتَرَدَّدُ فِيهِ، فَتَكُونُ أَكْثَرَ وَأَبْيَنَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذِهِ أَلِفُ النُّدْبَةِ، فَإِذَا وَقَفْتَ عَلَيْهَا فَجَائِزٌ، وَإِنْ وَقَفْتَ عَلَى الْهَاءِ فَجَائِزٌ، وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ وَقَفُوا عَلَى قَوْلِهِ: {وَيَدْعُو الْإِنْسَانُ}، [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 11]، فَحَذَفُوا الْوَاوَ وَأَثْبَتُوهَا، وَكَذَلِكَ: {مَا كُنَّا نَبْغِي}، [سُورَةُ الْكَهْفِ: 64]، بِالْيَاءِ، وَغَيْرِ الْيَاءِ؟ قَالَ: وَهَذَا أَقْوَى مِنْ أَلِفِ النُّدْبَةِ وَهَائِهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْأَلِفَ أَلِفُ النُّدْبَةِ، وَالْوَقْفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ وَغَيْرِ الْهَاءِ جَائِزٌ فِي الْكَلَامِ لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ}، تَقُولُ: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ {وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا}، وَالْبَعْلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الزَّوْجُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَيِّمُ أَمْرِهَا، كَمَا سَمُّوا مَالِكَ الشَّيْءِ "بَعْلَهٌ"، وَكَمَا قَالُوا لِلنَّخْلِ الَّتِي تَسْتَغْنِي بِمَاءِ السَّمَاءِ عَنْ سَقْيِ مَاءِ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ "الْبَعْلُ"، لِأَنَّ مَالِكَ الشَّيْءِ الْقَيِّمُ بِهِ، وَالنَّخْلُ الْبَعْلُ، بِمَاءِ السَّمَاءِ حَيَاتُهُ. وَقَوْلُهُ {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}، يَقُولُ: إِنَّ كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْ مِثْلِي وَمِثْلَ بِعْلِي عَلَى السِّنِّ الَّتِي بِهَا نَحْنُ لِشَيْءٌ عَجِيبٌ {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الرُّسُلُ لَهَا: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرٍ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يَكُونَ، وَقَضَاءٍ قَضَاهُ اللَّهُ فِيكِ وَفِي بَعْلِكِ. وَقَوْلُهُ: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}، يَقُولُ: رَحْمَةُ اللَّهِ وَسَعَادَتُهُ لَكُمْ أَهْلَ بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ وَجُعِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ خَلَفًا مِنَ الْإِضَافَةِ وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ مَحْمُودٌ فِي تَفَضُّلِهِ عَلَيْكُمْ بِمَا تَفَضَّلَ بِهِ مِنَ النِّعَمِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ (مَجِيدٌ)، يَقُولُ: ذُو مَجْدٍ وَمَدْحٍ وَثَنَاءٍ كَرِيمٍ. يُقَالُ فِي "فَعَلَ" مِنْهُ: "مَجَدَ الرَّجُلَ يَمْجُدُ مَجَادَةً " إِذَا صَارَ كَذَلِكَ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّكَ مَدَحْتَهُ قُلْتَ: "مَجَّدْتُهُ تَمْجِيدًا".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَوْفُ الَّذِي أَوْجَسَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ رُسُلِنَا، حِينَ رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَى طَعَامِهِ، وَأَمِنَ أَنْ يَكُونَ قُصِدَ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ بِسُوءٍ {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى}، بِإِسْحَاقَ، ظَلَّ {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} يَقُولُ: ذَهَبَ عَنْهُ الْخَوْفُ، {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى}، بِإِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى}، بِإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ وَلَدٌ مِنْ صُلْبِ إِسْحَاقَ، وَأَمِنَ مِمَّا كَانَ يَخَافُ، قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}، [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 39]. وَقَدْ قِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ: وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا إِيَّاهُ يُرِيدُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى}، قَالَ: حِينَ أَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ أُرْسَلُوا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا إِيَّاهُ يُرِيدُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بُشِّرَ بِإِسْحَاقَ. وَأَمَّا "الرَّوْعُ": فَهُوَ الْخَوْفُ، يُقَالُ مِنْهُ: "رَاعَنِي كَذَا يَرُوعُنِي رَوْعًا" إِذَا خَافَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: "كَيْفَ لَكَ بِرَوْعَةِ الْمُؤْمِنِ"؟ وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ: مَا رَاعَنِي إِلَّا حَمُوَلَةُ أَهْلِهَا *** وَسْطَ الدِّيَارِ تَسَفُّ حَبَّ الْخِمْخِمِ بِمَعْنَى: مَا أَفْزَعَنِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "الرَّوْعُ"، الْفَرَقُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ}، قَالَ: الْفَرَقُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ}، قَالَ: الْفَرَقُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ}، قَالَ: ذَهَبَ عَنْهُ الْخَوْفُ. وَقَوْلُهُ: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}، يَقُولُ: يُخَاصِمُنَا. كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (يُجَادِلُنَا)، يُخَاصِمُنَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: (يُجَادِلُنَا) يُكَلِّمُنَا. وَقَالَ: لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَا يُجَادِلُ اللَّهَ، إِنَّمَا يَسْأَلُهُ وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ جَهْلٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُجَادِلُ فِي قَوْمِ لُوطٍ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: " إِبْرَاهِيمُ لَا يُجَادِلُ"، مُوهِمًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: (يُجَادِلُنَا)، يُخَاصِمُنَا، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يُخَاصِمُ رَبَّهُ، جَهْلٌ مِنَ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا كَانَ جِدَالُهُ الرُّسُلَ عَلَى وَجْهِ الْمُحَاجَّةِ لَهُمْ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: "وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُ رُسُلَنَا"، وَلَكِنَّهُ لَمَّا عَرَفَ الْمُرَادَ مِنَ الْكَلَامِ حَذَفَ "الرُّسُلَ". وَكَانَ جِدَالُهُ إِيَّاهُمْ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمَّيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}، قَالَ: لَمَّا جَاءَ جِبْرِيلُ وَمَنْ مَعَهُ قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ: إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ: قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: أَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعُمِائَةِ مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا مِائَتَا مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعُونَ مُؤْمِنًا؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مُؤْمِنًا؟ قَالُوا: لَا! وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَعُدُّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بِامْرَأَةِ لُوطٍ، فَسَكْتَ عَنْهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ الْمَلَكُ لِإِبْرَاهِيمَ: إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةً يُصْلُونَ رُفِعَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}، ذَكَرَ لَنَا أَنَّ مُجَادَلَتَهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَمُعَذِّبُوهَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا! حَتَّى صَارَ ذَلِكَ إِلَى عَشْرَةٍ قَالَ، أَرَأَيْتُمْ إِنَّ كَانَ فِيهَا عَشْرَةٌ أَمُعَذِّبُوهُمْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا! وَهِيَ ثَلَاثُ قُرَى فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْكَثْرَةِ وَالْعَدَدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالُوا: إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ لَمْ نُعَذِّبْهُمْ. قَالَ: أَرْبَعُونَ؟ قَالُوا: وَأَرْبَعُونَ! قَالَ: ثَلَاثُونَ؟ قَالُوا: ثَلَاثُونَ! حَتَّى بَلَغَ عَشْرَةً. قَالُوا: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَشْرَةٌ! قَالَ: مَا قَوْمٌ لَا يَكُونُ فِيهِمْ عِشْرَةٌ فِيهِمْ خَيْرٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي قَرْيَةِ لُوطٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى}، قَالَ: مَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ؟ قَالُوا: إِنَّا أَرْسَلَنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، فَجَادَلَهُمْ فِي قَوْمِ لُوطٍ قَالَ، أَرَأَيْتُمْ إِنَّ كَانَ فِيهَا مِائَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَتُهْلِكُونَهُمْ؟ قَالُوا: لَا! فَلَمْ يَزَلْ يَحُطَّ حَتَّى بَلَغَ عَشَرَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: لَا نُعَذِّبُهُمْ، إِنْ كَانَ فِيهِمْ عَشَرَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالُوا: "يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " هُوَ لُوطٌ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}. فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى}، يَعْنِي: إِبْرَاهِيمَ جَادَلَ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ لِيَرُدَّ عَنْهُمُ الْعَذَابَ قَالَ: فَيَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّ مُجَادَلَةَ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهُمْ حِينَ جَادَلَهُمْ فِي قَوْمِ لُوطٍ لِيَرُدَّ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، إِنَّمَا قَالَ لِلرُّسُلِ فِيمَا يُكَلِّمُهُمْ بِهِ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ مِائَةُ مُؤْمِنٍ أَتُهْلِكُونَهُمْ؟ قَالُوا:، لَا! قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا تِسْعِينَ؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا ثَمَانِينَ؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا سَبْعِينَ؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا سِتِّينَ؟ قَالُوا لَا! قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا خَمْسِينَ؟ قَالُوا لَا! قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا مُسْلِمًا؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: فَلَمَّا لَمَّ يَذْكُرُوا لِإِبْرَاهِيمَ أَنَّ فِيهَا مُؤْمِنًا وَاحِدًا، {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا}، يَدْفَعُ بِهِ عَنْهُمُ الْعَذَابَ {قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 32]، {قَالُوا يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَتُهْلِكُونَهُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ فِيهَا مِائَةَ مُؤْمِنٍ ثُمَّ تَسْعَيْنَ؟ حَتَّى هَبَطَ إِلَى خَمْسَةٍ. قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةِ لُوطٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى وَمُسْلِمُ أَبُو الْحُبَيْلِ الْأَشْجَعِيُّ قَالَا {لَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ}، إِلَى آخَرِ الْآيَةِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَتُعَذِّبُ عَالَمًا مِنْ عَالَمِكَ كَثِيرًا، فِيهِمْ مِائَةُ رَجُلٍ؟ قَالَ: لَا وَعِزَّتِي، وَلَا خَمْسِينَ! قَالَ: فَأَرْبَعِينَ؟ فَثَلَاثِينَ؟ حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَمْسَةٍ. قَالَ: لَا! وَعِزَّتِي لَا أُعَذِّبُهُمْ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسَةٌ يَعْبُدُونَنِي! قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 36]، أَيْ لُوطًا وَابْنَتَيْهِ، قَالَ: فَحَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 37]، وَقَالَ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}. وَالْعَرَبُ لَا تَكَادُ تَتَلَقَّى "لَمَّا" إِذَا وَلِيَهَا فِعْلٌ مَاضٍ إِلَّا بِمَاضٍ، يَقُولُونَ: "لَمَّا قَامَ قُمْتُ"، وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ: "لَمَّا قَامَ أَقُومُ". وَقَدْ يَجُوزُ فِيمَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ لَهُ تَطَاوُلٌ مِثْلَ "الْجِدَالِ" "وَالْخُصُومَةِ" وَالْقِتَالِ، فَيَقُولُونَ فِي ذَلِكَ: "لَمَّا لَقِيتَهُ أُقَاتِلُهُ"، بِمَعْنَى: جَعَلْتُ أُقَاتِلَهُ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لِبَطِيءُ الْغَضَبِ، مُتَذَلِّلٌ لِرَبِّهِ خَاشِعٌ لَهُ، مُنْقَادٌ لِأَمْرِهِ (مُنِيبٌ)، رَجَّاعٌ إِلَى طَاعَتِهِ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}، قَالَ: الْقَانِتُ: الرَّجَاعُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الْأَوَّاهِ" فِيمَا مَضَى، بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ، وَالشَّوَاهِدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَوْلِ رُسُلِهِ لِإِبْرَاهِيمَ: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}، وَذَلِكَ قَيْلُهُمْ لَهُ حِينَ جَادَلَهُمْ فِي قَوْمِ لُوطٍ، فَقَالُوا: دَعْ عَنْكَ الْجِدَالَ فِي أَمْرِهِمْ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ فَإِنَّهُ {قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} يَقُولُ: قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ بِعَذَابِهِمْ. وَحَقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَمَضَى فِيهِمْ بِهَلَاكِهِمُ الْقَضَاءُ {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}، يَقُولُ: وَإِنَّ قَوْمَ لُوطٍ، نَازِلٌ بِهِمْ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ غَيْرَ مَدْفُوعٍ. وَقَدْ [مَضَى] ذِكِرَ الرِّوَايَةِ بِمَا ذَكَرْنَا فِيهِ عَمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا جَاءَتْ مَلَائِكَتُنَا لُوطًا، سَاءَهُ مَجِيئَهُمْ وَهُوَ "فِعْلٌ" مِنْ "السُّوءِ" {وَضَاقَ بِهِمْ}، بِمَجِيئِهِمْ (ذَرْعًا)، يَقُولُ: وَضَاقَتْ نَفْسُهُ غَمًّا بِمَجِيئِهِمْ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ فِي حَالِ مَا سَاءَهُ مَجِيئَهُمْ، وَعَلِمَ مِنْ قَوْمِهُ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إِتْيَانِهِمُ الْفَاحِشَةَ، وَخَافٍ عَلَيْهِمْ، فَضَاقَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بِمَجِيئِهِمْ ذَرْعًا، وَعَلِمَ أَنَّهُ سَيَحْتَاجُ إِلَى الْمُدَافَعَةِ عَنْ أَضْيَافِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سَيْءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذِرَاعًا}، يَقُولُ: سَاءَ ظَنًا بِقَوْمِهِ وَضَاقَ ذَرْعًا بِأَضْيَافِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا جَاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا أَتَوْهُ وَهُوَ فِي أَرْضٍ لَهُ يَعْمَلُ فِيهَا، وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: لَا تُهْلِكُوهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ لُوطٌ. قَالَ: فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: إِنَّا مُتَضَيِّفُوكَ اللَّيْلَةَ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَضَى سَاعَةً الْتَفَتَ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ وَاللَّهُ مَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أُنَاسًا أَخْبَثَ مِنْهُمْ! قَالَ: فَمَضَى مَعَهُمْ. ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ مِثْلَ مَا قَالَ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ. فَلَمَّا بَصُرَتْ بِهِمْ عَجُوزُ السَّوْءِ امْرَأَتُهُ، انْطَلَقَتْ فَأَنْذَرَتْهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَىِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، قَالَ حُذَيْفَةُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرَو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَتَتِ الْمَلَائِكَةُ لُوطًا وَهُوَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهُ، وَقَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ: إِنْ شَهِدَ لُوطٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَقَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي هَلَكَتِهِمْ. فَقَالُوا: يَا لُوطُ، إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُضَيِّفَكَ اللَّيْلَةَ. فَقَالَ: وَمَا بَلَغَكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ؟ قَالُوا: وَمَا أَمْرُهُمْ؟ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهَا لَشَرُ قَرْيَةٍ فِي الْأَرْضِ عَمَلًا! يَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَشَهِدَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ أَرْبَعَ شَهَادَاتِ، فَدَخَلُوا مَعَهُ مَنْزِلَهُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ السُّدِّيِّ قَالَ، خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ نَحْوَ قَرْيَةِ لُوطٍ، فَأَتَوْهَا نِصْفَ النَّهَارِ، فَلَمَّا بَلَغُوا نَهْرَ سَدُومٍ لَقُوا ابْنَةَ لُوطٍ تَسْتَقِي مِنَ الْمَاءِ لِأَهْلِهَا، وَكَانَتْ لَهُ ابْنَتَانِ، اسْمُ الْكُبْرَى "رَيْثًا"، وَالصُّغْرَى "زَغْرَتَا"، فَقَالُوا لَهَا: يَا جَارِيَةُ، هَلْ مِنْ مَنْزِلٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَمَكَانَكُمْ لَا تَدْخُلُوا حَتَّى آتِيَكُمْ! فَرِقَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهَا. فَأَتَتْ أَبَاهَا فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَرَادَكَ فِتْيَانٌ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ مَا رَأَيْتُ وُجُوهَ قَوْمٍ أَحْسَنَ مِنْهُمْ، لَا يَأْخُذُهُمْ قَوْمُكَ فَيَفْضَحُوهُمْ! وَقَدْ كَانَ قَوْمَهُ نَهَوْهُ أَنْ يُضِيفَ رَجُلًا فَقَالُوا: خَلِّ عَنَّا فَلْنُضِفِ الرِّجَالَ! فَجَاءَ بِهِمْ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِ لُوطٍ، فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْ قَوْمَهَا، قَالَتْ: إِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ رِجَالًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وُجُوهِهِمْ قَطُّ! فَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: خَرَجَتِ الرُّسُلُ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى لُوطٍ بِالْمُؤْتَفِكَةِ، فَلَمَّا جَاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا، وَذَلِكَ مِنْ تَخَوُّفِ قَوْمِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْضَحُوهُ فِي ضَيْفِهِ، فَقَالَ: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَقَالَ لُوطٌ: هَذَا الْيَوْمُ يَوْمٌ شَدِيدٌ شَرُّهُ، عَظِيمٌ بَلَاؤُهُ، يُقَالُ مِنْهُ: عَصَبَ يَوْمُنَا هَذَا يَعْصِبُ عَصْبًا، وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ: وَكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لِمْ أُعَرِّدْ *** وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبٍ وَقَوْلُ الرَّاجِزِ: يَوْمٌ عَصِيبٌ يَعْصِبُ الْأَبْطَالاَ *** عَصْبَ الْقَوِيِّ السَّلَمَ الطِّوَالاَ وَقَوْلُ الْآخَرِ: وَإِنَّكَ إِنْ لَا تُرْضِ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ *** يَكُنْ لَكَ يَوْمٌ بِالْعِرَاقِ عَصِيبُ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ: وَمُلِبُّونَ بِالْحَضِيضِ فِئَامٌ *** عَارِفَاتٌ مِنْهُ بِيَوْمٍ عَصِيبِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (عَصِيبٌ)،: شَدِيدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}، يَقُولُ شَدِيدٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}، أَيْ يَوْمُ بَلَاءٍ وَشِدَّةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {يَوْمٌ عَصِيبٌ}، شَدِيدٌ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}، أَيْ: يَوْمٌ شَدِيدٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَاءَ لُوطًا قَوْمُهُ يَسْتَحِثُّونَ إِلَيْهِ، يُرْعَدُونَ مَعَ سُرْعَةِ الْمَشْيِ، مِمَّا بِهِمْ مِنْ طَلَبِ الْفَاحِشَةِ. يُقَالُ: "أُهْرِعَ الرَّجُلُ "، مِنْ بَرْدٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ حُمَّى، إِذَا أَرْعَدَ، "وَهُوَ مُهْرَعٌ"، إِذَا كَانَ مُعْجِلًا حَرِيصًا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ: بِمُعْجَلَاتٍ نَحْوَهُ مَهَارِعٌ *** وَمِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهَلٍ: فَجَاؤُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسَارَى *** نَقُودُهُمُ عَلَى رَغْمِ الْأُنُوفِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، قَالَ: يُهَرْوِلُونَ، وَهُوَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ وَالْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، قَالَ: يَسْعَوْنَ إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ: فَأَتَوْهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، يَقُولُ: سِرَاعًا إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، قَالَ: يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، يَقُولُ: يُسْرِعُونَ الْمَشْيَ إِلَيْهِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، قَالَ: يُهَرْوِلُونَ فِي الْمَشْيِ قَالَ سُفْيَانُ: {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ: {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، قَالَ: كَأَنَّهُمْ يُدْفَعُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ، أَقْبَلُوا يُسْرِعُونَ مَشْيًا بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ وَالْجَمْزِ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، يَقُولُ: مُسْرِعِينَ. وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ}، يَقُولُ: مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهِمْ إِلَى لُوطٍ، كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي أَدْبَارِهِمْ، كَمَا:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ: {وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ}، قَالَ: يَأْتُونَ الرِّجَالَ. وَقَوْلُهُ: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ لَمَّا جَاؤُوهُ يُرَاوِدُونَهُ عَنْ ضَيْفِهِ: هَؤُلَاءِ يَا قَوْمِ بَنَاتِي يَعْنِي نِسَاءَ أُمَّتِهِ فَانْكِحُوهُنَّ فَهُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، كَمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، قَالَ: أَمَرَهُمْ لُوطٌ بِتَزْوِيجِ النِّسَاءِ وَقَالَ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: وَبَلَغَنِي هَذَا أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، قَالَ: لَمْ تَكُنْ بَنَاتُهُ، وَلَكِنْ كُنَّ مِنْ أُمَّتِهِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، قَالَ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، لَمْ يَعْرِضْ عَلَيْهِمْ سِفَاحًا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، قَالَ: مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ نِكَاحًا وَلَا سِفَاحًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} قَالَ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، وَأَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقِيَ أَضْيَافَهُ بِبَنَاتِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، يَعْنِي التَّزْوِيجَ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، يَعْنِي التَّزْوِيجَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَبِيبٍ الزَّهْرَانِيُّ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِ لُوطٍ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، يَعْنِي: نِسَاءَهُمْ، هُنَّ بَنَاتُهُ، هُوَ نَبِيُّهُمْ وَقَالَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ)، [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 6]. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ}، قَالُوا: أَوْ لَمْ نَنْهَكَ أَنْ تُضَيِّفَ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ، أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ؟ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا جَاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا أَقْبَلَ قَوْمُهُ إِلَيْهِمْ حِينَ أُخْبِرُوا بِهِمْ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ. فَيَزْعُمُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ امْرَأَةَ لُوطٍ هِيَ الَّتِي أَخْبَرَتْهُمْ بِمَكَانِهِمْ، وَقَالَتْ: إِنَّ عِنْدَ لُوطٍ لَضَيْفَانًا مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وَلَا أَجْمَلَ قَطُّ مِنْهُمْ! وَكَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ، فَاحِشَةٌ لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ. فَلَمَّا جَاؤُوهُ قَالُوا: أَوْ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ؟ أَيْ: أَلَمْ نَقُلْ لَكَ: لَا يَقْرَبَنَّكَ أَحَدٌ، فَإِنَّا لَنْ نَجِدَ عِنْدَكَ أَحَدًا إِلَّا فَعَلْنَا بِهِ الْفَاحِشَةَ؟ قَالَ: "يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ"، فَأَنَا أَفْدِي ضَيْفِي مِنْكُمْ بِهِنَّ، وَلَمْ يَدْعُهُمْ إِلَّا إِلَى الْحَلَالِ مِنَ النِّكَاحِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي}، قَالَ: النِّسَاءُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرْاَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقَرْأَةِ بِرَفْعٍ: (أَطْهَرُ)، عَلَى أَنْ جَعَلُوا "هُنَّ" اسْمًا، "وَأَطْهَرُ" خَبَرُهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: بَنَاتِي أَطْهَرُ لَكُمْ مِمَّا تُرِيدُونَ مِنَ الْفَاحِشَةِ مِنَ الرِّجَالِ. وَذُكِرَ عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ)، بِنَصْبِ "أَطْهَرَ". وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: هَذَا لَا يَكُونُ، إِنَّمَا يُنْصَبُ خَبَرُ الْفِعْلِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الْخَبَرِ إِذَا كَانَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُضْمَرَةُ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: مَنْ نَصَبَهُ جَعَلَهُ نَكِرَةً خَارِجَةً مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: "هُنَّ" عِمَادًا لِلْفِعْلِ فَلَا يُعْمِلُهُ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: مَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ: "هَذَا زَيْدٌ إِيَّاهُ بِعَيْنِهِ"، قَالَ: فَقَدْ جَعَلَهُ خَبَرًا ل "هَذَا" مَثْلَ قَوْلِكَ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِيَّاهُ بِعَيْنِهِ". قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ الْفِعْلُ هَهُنَا، لِأَنَّ التَّقْرِيبَ رَدُ كَلَامٍ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا، لِأَنَّهُ يَتَنَاقَضُ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِخْبَارٌ عَنْ مَعْهُودٍ، وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنِ ابْتِدَاءٍ مَا هُوَ فِيهِ: "هَا أَنَا ذَا حَاضِرٌ"، أَوْ: "زَيْدٌ هُوَ الْعَالِمُ"، فَتَنَاقَضَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَعْهُودُ عَلَى الْحَاضِرِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ خِلَافَهَا فِي ذَلِكَ، الرَّفْعَ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ، مَعَ صِحَّتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَبَعْدَ النَّصْبِ فِيهِ مِنَ الصِّحَّةِ. وَقَوْلُهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي}، يَقُولُ: فَاخْشَوْا اللَّهَ، أَيُّهَا النَّاسُ، وَاحْذَرُوا عِقَابَهُ، فِي إِتْيَانِكُمُ الْفَاحِشَةَ الَّتِي تَأْتُونَهَا وَتَطْلُبُونَهَا {وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي}، يَقُولُ: وَلَا تُذِلُّونِي بِأَنْ تَرْكَبُوا مِنِّي فِي ضَيْفِي مَا يَكْرَهُونَ أَنْ تَرْكَبُوهُ مِنْهُمْ. وَ "الضَّيْفُ "، فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى جَمْعٍ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْوَاحِدَ وَالْجَمْعَ "ضَيْفًا" بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. كَمَا قَالُوا: "رَجُلٌ عَدْلٌ، وَقَوْمٌ عَدْلٌ". وَقَوْلُهُ: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}، يَقُولُ: أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ ذُو رُشْدٍ، يَنْهَى مَنْ أَرَادَ رُكُوبَ الْفَاحِشَةِ مِنْ ضَيْفِي، فَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ؟ كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}، أَيْ رَجُلٌ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ لُوطٍ لِلُوطٍ: {لَقَدْ عَلِمْتَ}، يَا لُوطُ {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ}، لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ لَنَا أَزْوَاجًا، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ}، أَيْ مِنْ أَزْوَاجٍ {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}، يَقُولُ: قَالُوا: وَإِنَّكَ يَا لُوطُ لَتَعْلَمُ أَنَّ حَاجَتَنَا فِي غَيْرِ بَنَاتِكَ، وَأَنَّ الَّذِي نُرِيدُ هُوَ مَا تَنْهَانَا عَنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}، إِنَّا نُرِيدُ الرِّجَالَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}، أَيْ: إِنَّ بُغْيَتَنَا لِغَيْرِ ذَلِكَ. فَلَمَّا لَمْ يَتَنَاهَوْا، وَلَمْ يَرُدْهُمْ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ بَنَاتِهِ، قَالَ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ حِينَ أَبَوْا إِلَّا الْمُضِيَّ لِمَا قَدْ جَاؤُوا لَهُ مِنْ طَلَبِ الْفَاحِشَةِ، وَأَيِسَ مِنْ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا عَرَضَ عَلَيْهِمْ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً}، بِأَنْصَارٍ تَنْصُرُنِي عَلَيْكُمْ وَأَعْوَانٍ تُعِينُنِي {أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، يَقُولُ: أَوْ أَنْضَمُّ إِلَى عَشِيرَةٍ مَانِعَةٍ تَمْنَعُنِي مِنْكُمْ، لَحُلْتُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا جِئْتُمْ تُرِيدُونَهُ مِنِّي فِي أَضْيَافِي وَحَذْفُ جَوَابِ "لَوْ" لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ مَفْهُومٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: قَالَ لُوطٌ: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، يَقُولُ: إِلَى جُنْدٍ شَدِيدٍ، لَقَاتَلْتُكُمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، قَالَ: الْعَشِيرَةُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، قَالَ: الْعَشِيرَةُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: {أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، قَالَ: إِلَى رُكْنٍ مِنَ النَّاسِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ قَوْلُهُ: {أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ بَعْدَ لُوطٍ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، حَتَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، أَيْ: عَشِيرَةٌ تَمْنَعُنِي أَوْ شِيعَةٌ تَنْصُرُنِي، لَحُلْتُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَذَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} قَالَ: يَعْنِي بِهِ الْعَشِيرَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد»! حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَكَان»! حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ، إِنْ كَانَ لَيَأْوِيَ إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، مَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِه» قَالَ مُحَمَّدٌ: وَ "الثَّرْوَةُ"، الْكَثْرَةُ وَالْمَنَعَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنُ أَبَانَ الْمِصْرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ، حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد». حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ آوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، قَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ يَعْنِي اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمًا بَعْثَ اللَّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِه». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد». قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ذَكَرَ لَنَا «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ أَوْ: أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ! وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا بَعْدَ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مَنْ قَوْمِهِ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّكُمْ فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ». يُقَالُ: مِنْ {آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، "أَوَيْتُ إِلَيْكَ"، فَأَنَا آوِي إِلَيْكَ أَوْيًا"، بِمَعْنَى: صِرْتُ إِلَيْكَ وَانْضَمَمْتُ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ: يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ مِنَ الْأَرْكَانِ *** فِي عَدَدَ طَيْسٍ وَمَجْدٍ بَانِ وَقِيلَ: إِنَّ لُوطًا لَمَّا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَجَدَتِ الرُّسُلُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: قَالَ لُوطٌ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، فَوَجَدَ عَلَيْهِ الرُّسُلُ وَقَالُوا: إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ !
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لِلُوطٍ، لَمَّا قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، وَرَأَوْا مَا لَقِيَ مِنَ الْكَرْبِ بِسَبَبِهِمْ مِنْهُمْ: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ}، أُرْسِلْنَا لِإِهْلَاكِهِمْ، وَإِنَّهُمْ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ وَإِلَى ضَيْفِكَ بِمَكْرُوهٍ، فَهَوِّنْ عَلَيْكَ الْأَمْرُ {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}، يَقُولُ: فَاخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ بِبَقِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ. يُقَالُ مِنْهُ: "أَسْرَى" وَ"سَرَى"، وَذَلِكَ إِذَا سَارَ بِلَيْلٍ {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ}. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرْأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (فَأَسْرِ). فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ: "فَاسْرِ"، وَصْلٌ بِغَيْرِ هَمْزِ الْأَلِفِ، مَنْ "سَرَى". وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (فَأَسْرِ) بِهَمْزِ الْأَلِفِ، مَنْ "أَسْرَى". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلُ قُدْوَةٍ فِي الْقِرَاءَةِ، وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي الْعَرَبِ، مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (إِلَّا امْرَأَتَكَ)، فَإِنَّ عَامَّةَ الْقَرَأَةِ مِنَ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ، وَبَعْضَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَرَأُوا بِالنَّصْبِ (إِلَّا امْرَأَتَكَ)، بِتَأْوِيلِ: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ، وَعَلَى أَنَّ لُوطًا أُمِرَ أَنْ يَسْرِي بِأَهْلِهِ سِوَى زَوْجَتِهِ، فَإِنَّهُ نُهِيَ أَنْ يُسْرِي بِهَا، وَأُمِرَ بِتَخْلِيفِهَا مَعَ قَوْمِهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (إِلَّا امْرَأَتُكَ)، رَفْعًا بِمَعْنَى: وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ، إِلَّا امْرَأَتُكَ فَإِنَّ لُوطًا قَدْ أَخْرَجَهَا مَعَهُ، وَأَنَّهُ نَهَى لُوطًا وَمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ أَسْرَى مَعَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ سِوَى زَوْجَتِهِ، وَأَنَّهَا الْتَفَتَتْ فَهَلَكَتْ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ}، يَقُولُ: إِنَّهُ مُصِيبُ امْرَأَتَكَ مَا أَصَابَ قَوْمَكَ مِنَ الْعَذَابِ {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ}، يَقُولُ: إِنَّ مَوْعِدَ قَوْمِكَ الْهَلَاكَ الصُّبْحُ. فَاسْتَبْطَأَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لُوطٌ وَقَالَ لَهُمْ: بَلْ عَجِّلُوا لَهُمُ الْهَلَاكَ! فَقَالُوا: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} أَيْ عِنْدَ الصُّبْحِ نُزُولُ الْعَذَابِ بِهِمْ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}، أَيْ: إِنَّمَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنْ صُبْحِ لَيْلَتِكَ هَذِهِ، فَامْضِ لِمَا تُؤْمَرُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: فَمَضَتِ الرُّسُلُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى لُوطٍ، فِلْمَّا أَتَوْا لُوطًا، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ، قَالَ جِبْرِيلُ لِلُوطٍ: يَا لُوطُ، إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنْ أَهَّلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، فَقَالَ لَهُمْ لُوطٌ: أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ! فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}؟ فَأُنْزِلَتْ عَلَى لُوطٍ: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}، قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْرِيَ بِأَهْلِهِ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَهُ، قَالَ: فَسَارَ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي أُهْلِكُوا فِيهَا، أَدْخَلَ جِبْرِيلُ جَنَاحَهُ فَرَفَعَهَا، حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ وَنُبَاحَ الْكِلَابِ، فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، وَأَمْطَرَ عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. قَالَ: وٍََسَمِعَتِ امْرَأَةُ لُوطٍ الْهَدَّةَ، فَقَالَتْ: وَاقَوْمَاهُ! فَأَدْرَكَهَا حَجَرٌ فَقَتَلَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: كَانَ لُوطٌ أَخَذَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ لَا تُذِيعَ شَيْئًا مِنْ سِرِّ أَضْيَافِهِ. قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ وَمَنْ مَعَهُ، رَأَتْهُمْ فِي صُورَةٍ لَمْ تَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، فَانْطَلَقَتْ تَسْعَى إِلَى قَوْمِهَا، فَأَتَتِ النَّادِيَ فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَأَقْبَلُوا يُهْرَعُونَ مَشْيًا بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ وَالْجَمْزِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى لُوطٍ، قَالَ لَهُمْ لُوطٌ مَا قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. قَالَ جِبْرِيلُ: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ}، قَالَ: فَقَالَ بِيَدِهِ، فَطَمَسَ أَعْيُنُهُمْ، فَجَعَلُوا يَطْلُبُونَهُمْ، يَلْمِسُونَ الْحِيطَانَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: لَمَّا بَصُرَتْ بِهِمْ يَعْنِي بِالرُّسُلِ عَجُوزُ السَّوْءِ امْرَأَتُهُ، انْطَلَقَتْ فَأَنْذَرَتْهُمْ، فَقَالَتْ: قَدْ تَضَيَّفَ لُوطًا قَوْمٌ، مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَحْسَنَ وُجُوهًا! قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَتْ: وَلَا أَشَدَّ بَيَاضًا وَأَطْيَبَ رِيحًا! قَالَ: فَأَتَوْهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَأَصْفَقَ لُوطٌ الْبَابَ. قَالَ: فَجَعَلُوا يُعَالِجُونَهُ. قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ رَبَّهُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ، فَصَفَقَهُمْ بِجَنَاحِهِ، فَتَرَكَهُمْ عُمْيَانًا يَتَرَدَّدُونَ فِي أَخْبَثِ لَيْلَةٍ أَتَتْ عَلَيْهِمْ قَطُّ. فَأَخْبَرُوهُ: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}، قَالَ: وَلَقَدْ ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَتْ مَعَ لُوطٍ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْقَرْيَةِ امْرَأَتُهُ، ثُمَّ ٍَسَمِعَتِ الصَّوْتَ، فَالْتَفَتَتْ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا حَجَرًا فَأَهْلَكَهَا. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}، فَأَرَادَ نَبِيُ اللَّهِ مَا هُوَ أَعَجَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}؟ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: انْطَلَقَتِ امْرَأَتُهُ يَعْنِيامْرَأَةَ لُوطٍ حِينَ رَأَتْهُمْ يَعْنِي حِينَ رَأَتِ الرُّسُلَ إِلَى قَوْمِهَا فَقَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ ضَافَهُ اللَّيْلَةَ قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمْ قَطُّ، أَحْسَنَ وُجُوهًا وَلَا أَطْيَبَ رِيحًا! فَجَاؤُوا يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، فَبَادَرَهُمْ لُوطٌ إِلَى أَنْ يَزْحَمَهُمْ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}، فَقَالُوا: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ}، فَدَخَلُوا عَلَى الْمَلَائِكَةِ، فَتَنَاوَلَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَطُمِسَتْ أَعْيُنُهُمْ، فَقَالُوا: يَا لُوطُ جِئْتِنَا بِقَوْمٍ سَحَرَةٍ سَحَرُونَا، كَمَا أَنْتَ حَتَّى تُصْبِحَ! قَالَ: وَاحْتَمَلَ جِبْرِيلُ قَرْيَاتِ لُوطٍ الْأَرْبَعَ، فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مِائَةُ أَلْفٍ، فَرَفَعَهُمْ عَلَى جَنَاحِهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا أَصْوَاتَ دِيَكَتِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهُمْ، فَجَعَلَ اللَّهُ عَالِيَهَا سَافِلَهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، ذَهَبَتْ عَجُوزُهُ عَجُوزُ السُّوءِ، فَأَتَتْ قَوْمَهَا فَقَالَتْ: لَقَدْ تَضَيَّفَ لُوطًا اللَّيْلَةَ قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ قَوْمًا قَطُّ أَحْسَنَ وُجُوهًا مِنْهُمْ! قَالَ: فَجَاؤُوا يُسْرِعُونَ، فَعَاجَلَهُمْ إِلَى لُوطٍ، فَقَامَ مَلَكٌ فَلَزَّ الْبَابَ يَقُولُ: فَسَدَّهُ وَاسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأُذِنَ لَهُ، فَضَرَبَهُمْ جِبْرِيلُ بِجَنَاحِهِ، فَتَرَكَهُمْ عُمْيَانًا، فَبَاتُوا بِشَرِّ لَيْلَةٍ، ثُمَّ {قَالُوا إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ}، قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتًا، فَالْتَفَتَتْ فَأَصَابَهَا حَجَرٌ، وَهَى شَاذَّةٌ مِنَ الْقَوْمِ مَعْلُومٌ مَكَانَهَا. حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَعَاجَلَهُمْ لُوطٌ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ، لَمَّا قَالَ لُوطٌ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، بَسَطَ حِينَئِذٍ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَنَاحَيْهِ، فَفَقَأَ أَعْيُنَهُمْ، وَخَرَجُوا يَدُوسُ بَعْضُهُمْ فِي أَدْبَارِ بَعْضٍ عُمْيَانًا يَقُولُونَ: "النَّجَاءَ النَّجَاءَ! فَإِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ أَسْحَرَ قَوْمٍ فِي الْأَرْضِ"! فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ}، [سُورَةُ الْقَمَرِ: 37]. وَقَالُوا لِلُوطٍ: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا}، وَاتَّبِعْ أَدْبَارَ أَهْلِكَ يَقُولُ: سِرْ بِهِمْ {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} فَأَخْرَجَهُمُ اللَّهُ إِلَى الشَّامِ. وَقَالَ لُوطٌ: أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ! فَقَالُوا: إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ إِلَّا بِالصُّبْحِ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ؟ فَلَمَّا أَنْ كَانَ السَّحَرُ، خَرَجَ لُوطٌ وَأَهْلُهُ مَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}، [سُورَةُ الْقَمَرِ: 34]. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ: أَنَّهُ سَمِعَ وَهَبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: كَانَ أَهْلُ سَدُومٍ الَّذِينَ فِيهِمْ لُوطٌ، قَوْمًا قَدِ اسْتَغْنَوْا عَنِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ ذَلِكَ [مِنْهُمْ]، بَعَثَ الْمَلَائِكَةَ لِيُعَذِّبُوهُمْ، فَأَتَوْا إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ مَنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. فَلَمَّا بَشَّرُواسَارَةَبِالْوَلَدِ، قَامُوا وَقَامَ مَعَهُمْ إِبْرَاهِيمُ يَمْشِي، قَالَ: أَخْبِرُونِي لِمَ بُعِثْتُمْ؟ وَمَا خَطْبُكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى أَهْلِ سَدُومٍ لِنُدَمِّرْهَا، وَإِنَّهُمْ قَوْمُ سَوْءٍ قَدِِِِِِِ اسْتَغْنَوْا بِالرِّجَالِ عَنِ النِّسَاءِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: [أَرَأَيْتُمْ] إِنْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسُونَ رَجُلًا صَالِحًا؟ قَالُوا: إِذًا لَا نُعَذِّبُهُمْ! فَجَعَلَ يَنْقُصُ حَتَّى قَالَ أَهْلَ بَيْتٍ؟ قَالُوا: فَإِنْ كَانَ فِيهَا بَيْتٌ صَالِحٌ! قَالَ: فَلُوطٌ وَأَهْلُ بَيْتِهِ؟ قَالُوا: إِنَّ امْرَأَتَهُ هَوَاهَا مَعَهُمْ! فَلَمَّا يَئِسَ إِبْرَاهِيمُ انْصَرَفَ. وَمَضَوْا إِلَى أَهْلِ سَدُومٍ، فَدَخَلُوا عَلَى لُوطٍ، فَلَمَّا رَأَتْهُمُ امْرَأَتُهُ أَعْجَبَهَا حُسْنُهُمْ وَجَمَالُهُمْ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِنَا قَوْمٌ لَمْ يُرَ قَوْمٌ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُمْ وَلَا أَجْمَلَ! فَتَسَامَعُوا بِذَلِكَ، فَغَشُوا دَارَ لُوطٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِمُ الْجُدْرَانَ. فَلَقِيَهُمْ لُوطٌ فَقَالَ: يَا قَوْمِ لَا تَفْضَحُونِ فِي ضَيْفِي، وَأَنَا أُزَوِّجُكُمْ بَنَاتِي، فَهُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ! فَقَالُوا: لَوْ كُنَّا نُرِيدُ بَنَاتَكَ، لَقَدْ عَرَفْنَا مَكَانَهُنَّ! فَقَالَ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ! فَوَجَدَ عَلَيْهِ الرُّسُلُ وَقَالُوا: إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ! فَمَسَحَ أَحَدُهُمْ أَعْيُنَهُمْ بِجَنَاحَيْهِ، فَطَمَسَ أَبْصَارَهُمْ فَقَالُوا: سُحِرْنَا، انْصَرِفُوا بِنَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْهِ! فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا قَدْ قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ. فَأَدْخَلَ مِيكَائِيلُ وَهُوَ صَاحِبُ الْعَذَابِ جَنَاحَهُ حَتَّى بَلَغَ أَسْفَلَ الْأَرْضِ، فَقَلَبَهَا، وَنَزَلَتْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَتَتَبَّعَتْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي الْقَرْيَةِ حَيْثُ كَانُوا، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وَنَجَّى لُوطًا وَأَهْلَهُ، إِلَّا امْرَأَتَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: وَيْحَكُمْ أَنْهَاكُمْ عَنِ اللَّهِ أَنْ تُعَرَّضُوا لِعُقُوبَتِهِ! فَلَمْ يُطِيعُوا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجْلَهُ، لِمَحِلِّ عَذَابِهِمْ وَسَطَوَاتِ الرَّبِّ بِهِمْ. قَالَ: فَانْتَهَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى لُوطٍ وَهُوَ يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ لَهُ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الضِّيَافَةِ، فَقَالُوا: إِنَّا مُضَيِّفُوكَ اللَّيْلَةَ! وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى عَهِدَ إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ ثَلَاثَ شَهَادَاتٍ. فَلَمَّا تَوَجَّهَ بِهِمْ لُوطٌ إِلَى الضِّيَافَةِ، ذَكَرَ مَا يَعْمَلُ قَوْمُهُ مِنَ الشَّرِّ وَالدَّوَاهِي الْعِظَامِ، فَمَشَى مَعَهُمْ سَاعَةً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَرًّا مِنْهُمْ! أَيْنَ أَذْهَبُ بِكُمْ؟ إِلَى قَوْمِي وَهُمْ شَرُّ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ ! فَالْتَفَتَ جِبْرِيلُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ: احْفَظُوا هَذِهِ وَاحِدَةٌ! ثُمَّ مَشَى سَاعَةً، فَلَمَّا تَوَسَّطَ الْقَرْيَةَ وَأَشْفَقَ عَلَيْهِمْ وَاسْتَحْيَى مِنْهُمْ، قَالَ: أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ وَمَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَرًّا مِنْهُمْ، إِنَّ قَوْمِي شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ! فَالْتَفَتَ جِبْرِيلُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ: احْفَظُوا، هَاتَانِ ثْنَتَانِ! فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَابِ الدَّارِ بَكَى حَيَاءً مِنْهُمْ وَشَفَقَةَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ، أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَهْلَ قَرْيَةٍ شَرًّا مِنْهُمْ! فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلْمَلَائِكَةِ: احْفَظُوا هَذِهِ ثَلَاثٌ، قَدْ حُقَّ الْعَذَابُ! فَلَمَّا دَخَلُوا ذَهَبَتْ عُجُوزُهُ، عَجُوزُ السَّوْءِ، فَصَعِدَتْ فَلَوَّحَتْ بِثَوْبِهَا، فَأَتَاهَا الْفُسَّاقُ يُهْرَعُونَ سِرَاعًا، قَالُوا: مَا عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: ضَيَّفَ لُوطًا اللَّيْلَةَ قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وُجُوهًا مِنْهُمْ وَلَا أَطْيَبَ رِيحًا مِنْهُمْ! فَهُرِعُوا يُسَارِعُونَ إِلَى الْبَابِ، فَعَاجَلَهُمْ لُوطٌ عَلَى الْبَابِ، فَدَافَعُوهُ طَوِيلًا هُوَ دَاخِلٌ وَهُمْ خَارِجٌ، يُنَاشِدُهُمُ اللَّهَ وَيَقُولُ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، فَقَامَ الْمَلَكُ فَلَزَّ الْبَابَ يَقُولُ: فَسَدَّهُ وَاسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ، فَقَامَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فِي السَّمَاءِ، فَنَشَرَ جَنَاحَهُ، وَلِجِبْرِيلُ جَنَاحَانِ، وَعَلَيْهِ وِشَاحٌ مِنْ دَرٍّ مَنْظُومٍ، وَهُوَ بَرَّاقُ الثَّنَايَا أَجْلَى الْجَبِينَ، وَرَأْسُهُ حُبُكٌ، مِثْلَ الْمَرْجَانِ، وَهُوَ اللُّؤْلُؤُ، كَأَنَّهُ الثَّلْجُ، وَقَدَّمَاهُ إِلَى الْخُضْرَةِ فَقَالَ: يَا لُوطُ، {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ}، أُمِطْ، يَا لُوطُ، مِنَ الْبَابِ وَدَّعَنِي وَإِيَّاهُمْ. فَتَنَحَّى لُوطٌ عَنِ الْبَابِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَنَشَرَ جَنَاحَهُ، فَضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ ضَرْبَةً شَدَخَ أَعْيُنَهُمْ، فَصَارُوا عُمْيًا لَا يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ. ثُمَّ أَمَرَ لُوطًا فَاحْتَمَلَ بِأَهْلِهِ مِنْ لَيْلَتِهِ، قَالَ: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، وَالرُّسُلُ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَمَا يُقَالُ لَهُ، وَيَرَوْنَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ كَرْبِ ذَلِكَ. فَلَمَّا رَأَوْا مَا بَلَغَهُ قَالُوا: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ}، أَيْ: بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}، أَيْ إِنَّمَا يَنْزِلَ بِهِمُ الْعَذَابُ مِنْ صُبْحِ لَيْلَتِكَ هَذِهِ، فَامْضِ لِمَا تُؤْمَرُ. قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ. أَنَّ الرُّسُلَ عِنْدَ ذَلِكَ سَفَعُوا فِي وُجُوهِ الَّذِينَ جَاؤُوا لُوطًا مِنْ قَوْمِهِ يُرَاوِدُونَهُ عَنْ ضَيْفِهِ، فَرَجَعُوا عُمْيَانًا. قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [سُورَةُ الْقَمَرِ: 37]. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}، قَالَ: بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}، بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}، قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ: {وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ}، يَقُولُ: وَاتَّبِعْ أَدْبَارَ أَهْلِكَ {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 65]. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ}، قَالَ: لَا يَنْظُرُ وَرَاءَهُ أَحَدٌ {إِلَّا امْرَأَتَكَ}. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلَ إِلَّا امْرَأَتَكَ}. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلَ إِلَّا امْرَأَتَكَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ بِالنَّصْبِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا بِالْعَذَابِ وَقَضَاؤُنَا فِيهِمْ بِالْهَلَاكِ، {جَعَلْنَا عَالِيَهَا}. يَعْنِي عَالِيَ قَرْيَتِهِمْ {سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا}، يَقُولُ: وَأَرْسَلَنَا عَلَيْهَا {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى "سِجِّيلٍ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ: سنك، وكل. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ سِجِّيلٍ}، بِالْفَارِسِيَّةِ، أَوَّلُهَا حَجَرٌ، وَآخِرُهَا طِينٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}، قَالَ: فَارِسِيَّةٌ أُعْرِبَتْ سنك وكل. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: "السِّجِّيلُ"، الطِّينُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ: {مِنْ سِجِّيلٍ} قَالَا مِنْ طِينٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ وَهْبٍ قَالَ: سِجِّيلٌ بِالْفَارِسِيَّةِ: سنك وكل حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}، أَمَّا السِّجِّيلُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ: سنك وجل "سنك"، هُوَ الْحَجَرُ، و"جل "، هُوَ الطِّينُ. يَقُولُ: أَرْسَلَنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}، قَالَ: طِينٌ فِي حِجَارَةٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}، قَالَ: السَّمَاءُ الدُّنْيَا. قَالَ: وَالسَّمَاءُ الدُّنْيَا اسْمُهَا سِجِّيلٌ، وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: "السِّجِّيلُ"، هُوَ مِنَ الْحِجَارَةِ الصُّلْبِ الشَّدِيدِ، وَمِنَ الضَّرْبِ، وَيُسْتَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الْأَبْطَالُ سِجِّيلًا *** وَقَالَ: بَعْضُهُمْ يُحَوِّلُ اللَّامَ نُونًا. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: هُوَ "فِعِّيلٌ"، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "أَسَجَّلْتَهُ"، أَرْسَلَتْهُ فَكَأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ، أَيْ مُرْسَلَةٌ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: بَلْ هُوَ مِنْ "سَجَّلَتُ لَهُ سِجِلًّا" مِنَ الْعَطَاءِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مُتِحُوا ذَلِكَ الْبَلَاءَ فَأَعْطَوْهُ، وَقَالُوا أُسَجِّلُهُ: أُهْمِلُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنْ "السِّجِلِّ"، لِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا عَلَمٌ كَالْكِتَابِ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: بَلْ هُوَ طِينٌ يُطْبَخُ كَمَا يُطْبَخُ الْآجَرُ، وَيُنْشِدُ بَيْتُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِدًا *** يَمْلَأُ الدَّلْوَ إِلَى عَقْدِ الْكَرَبِ فَهَذَا مِنْ "سَجَّلَتُ لَهُ سَجْلًا"، أَعْطَيْتُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَهُوَ أَنَّهَا حِجَارَةٌ مِنْ طِينٍ، وَبِذَلِكَ وَصَفَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي مَوْضِعٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 33، ] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هِيَ فَارِسِيَّةٌ وَنَبَطِيَّةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: فَارِسِيَّةٌ وَنَبَطِيَّةٌ "سج"، "إيل". فَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اسْمَ الطِّينِ بِالْفَارِسِيَّةِ "جل "لَا "إيل"، وَأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَكَانَ "سِجْل" لَا "سِجِّيلَ"، لَأَنَّ الْحَجَرَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُدْعَى "سج "وَالطِّينِ "جل"، فَلَا وَجْهَ لِكَوْنِ الْيَاءِ فِيهَا وَهِيَ فَارِسِيَّةٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ ذَكَرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْلُ الْحِجَارَةِ طِينًا فَشُدِّدَتْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (مَنْضُودٍ)، فَإِنَّ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ يَقُولَانِ فِيهِ مَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرِ، عَنْ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ: (مَنْضُودٍ) يَقُولُ: مَصْفُوفَةٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (مَنْضُودٍ) يَقُولُ: مَصْفُوفَةٌ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فِيهِ مَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ (مَنْضُودٍ)، قَالَ: نَضَّدَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَمَّا قَوْلُهُ: (مَنْضُودٍ)، فَإِنَّهَا فِي السَّمَاءِ مَنْضُودَةٌ: مُعَدَّةٌ، وَهِيَ مِنْ عُدَّةِ اللَّهِ الَّتِي أَعَدَّ لِلظَّلَمَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "مَنْضُودٍ"، يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَذَلِكَ نَضَدُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: (مَنْضُودٌ) مِنْ نَعْتِ "سِجِّيلٍ"، لَا مِنْ نَعْتِ "الْحِجَارَةِ "، وَإِنَّمَا أَمْطَرَ الْقَوْمَ حِجَارَةً مَنْ طِينٍ، صِفَةُ ذَلِكَ الطِّينِ أَنَّهُ نُضِدَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضِ , فَصُيِّرَ حِجَارَةً، وَلِمَ يُمْطَرُوا الطِّينَ، فَيَكُونَ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ تَتَابَعَ عَلَى الْقَوْمِ بِمَجِيئِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ هَذَا الْمُتَأَوِّلُ لَوْ كَانَ التَّنْزِيلُ بِالنَّصْبِ "مَنْضُودَةً"، فَيَكُونُ مِنْ نَعْتِ "الْحِجَارَةِ " حِينَئِذٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ}، فَإِنَّهُ يَقُولُ: مُعَلَّمَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، أَعْلَمَهَا اللَّهُ، وَ "المُسَوَّمَةُ" مَنْ نَعْتِ "الْحِجَارَةِ"، وَلِذَلِكَ نَُصِبَتْ عَلَى النَّعْتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (مُسَوَّمَةً)، قَالَ: مُعَلَّمَةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: (مُسَوَّمَةً)، لَا تُشَاكِلُ حِجَارَةَ الْأَرْضِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ: (مُسَوَّمَةً) قَالَا مُطَوَّقَةٌ بِهَا نَضْحٌ مِنْ حُمْرَةٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: (مُسَوَّمَةً) عَلَيْهَا سِيمَا مَعْلُومَةٌ. حَدَّثَ بَعْضٌ مَنْ رَآهَا، أَنَّهَا حِجَارَةٌ مُطَوَّقَةٌ عَلَيْهَا أَوْ بِهَا نَضْحٌ مِنْ حُمْرَةً، لَيْسَتْ كَحِجَارَتِكُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: (مُسَوَّمَةً)، قَالَ: عَلَيْهَا سِيمَا خُطُوطٌ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: (مُسَوَّمَةً) قَالَ: "الْمُسَوَّمَةُ"، الْمُخَتَّمَةُ. وَأَمَّاقَوْلُهُ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}، فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُتَهَدِّدًا مُشْرِكِي قُرَيْشٍ: وَمَا هَذِهِ الْحِجَارَةُ الَّتِي أَمْطَرْتُهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ، مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، يَا مُحَمَّدُ، بِبَعِيدٍ أَنْ يُمْطَرُوهَا، إِنْ لَمْ يَتُوبُوا مِنْ شِرْكِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عِتَابٍ الدَّلَّالُ سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}، قَالَ: أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ الْقَوْمَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}، قَالَ: يُرْهِبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}، يَقُولُ: مَا أَجَارَ اللَّهُ مِنْهَا ظَالِمًا بَعْدَ قَوْمِ لُوطٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}، يَقُولُ: لَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا ظَالِمًا بَعْدَهُمْ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}، قَالَ: يَعْنِي ظَالِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَجَارَ مِنْهَا ظَالِمًا بَعْدُ ! حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}، يَقُولُ: مِنْ ظَلَمَةِ الْعَرَبِ، إِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَيُعَذَّبُوا بِهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: يَقُولُ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}، مِنْ ظُلْمَةِ أُمَّتِكَ بِبَعِيدٍ، فَلَا يَأْمَنُهَا مِنْهُمْ ظَالِمٌ. وَكَانَ قَلْبُ الْمَلَائِكَةِ عَالِي أَرْضِ سَدُومٍ سَافِلَهَا، كَمَا:- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمَ لُوطٍ مِنْ سَرْحِهِمْ وَدَوْرِهِمْ، حَمَلَهُمْ بِمَوَاشِيهِمْ وَامْتِعَتِهِمْ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ ثُمَّ أَكْفَأَهُمْ. حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَدْخَلَ جِبْرِيلُ جَنَاحَهُ تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى مِنْ قَوْمِ لُوطٍ، ثُمَّ أَخَذَهُمْ بِالْجَنَاحِ الْأَيْمَنِ، فَأَخَذَهُمْ مِنْ سَرْحِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ، ثُمَّ رَفَعَهَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، كَانَ يَقُولُ: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا}، قَالَ: لَمَّا أَصْبَحُوا غَدَا جِبْرِيلُ عَلَى قَرْيَتِهِمْ، فَفَتَقَهَا مِنْ أَرْكَانِهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ جَنَاحَهُ، ثُمَّ حَمَلَهَا عَلَى خَوَافِي جَنَاحِهِ. قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ قَالَ، فَحَدَّثَنِي هَذَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: وَلَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، فَحَمَلَهَا عَلَى خَوَافِي جَنَاحِهِ بِمَا فِيهَا، ثُمَّ صَعِدَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهَا. فَكَانَ أَوَّلَ مَا سَقَطَ مِنْهَا شِرَافُهَا. فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَلَمْ يُصِبْ قَوْمًا مَا أَصَابَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ طَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَ قَرْيَتَهُمْ، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، بَلَغَنَا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ بِعُرْوَةِ الْقَرْيَةِ الْوُسْطَى، ثُمَّ أَلَوَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ ضَوَاغِي كِلَابِهِمْ، ثُمَّ دَمَّرَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، ثُمَّ أَتْبَعَهُمُ الْحِجَارَةَ قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ بِعُرْوَتِهَا الْوُسْطَى، ثُمَّ أَلَوَى بِهَا إِلَى جَوِّ السَّمَاءِ حَتَّى سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ ضَوَاغِي كِلَابِهِمْ، ثُمَّ دَمَّرَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ أَتْبَعَ شُذَّانَ الْقَوْمِ صَخْرًا. قَالَ: وَهِيَ ثَلَاثُ قُرًى يُقَالُ لَهَا "سَدُومُ"، وَهِيَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّأْمِ. قَالَ: وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ فِيهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ. وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُشْرِفُ [ثُمَّ] يَقُولُ سَدُومَ، يَوْمٌ مَا لَكِ ! حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ، لَمَّا أَصْبَحُوا يَعْنِي قَوْمَ لُوطٍ نَزَلَ جِبْرِيلُ، فَاقْتَلَعَ الْأَرْضَ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ، فَحَمَلَهَا حَتَّى بَلَغَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، [حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ، وَأَصْوَاتَ دُيُوكِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهَا فَقَتَلَهُمْ]، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 53]، الْمُنْقَلِبَةُ حِينَ أَهْوَى بِهَا جِبْرِيلُ الْأَرْضَ فَاقْتَلَعَهَا بِجَنَاحِهِ، فَمَنْ لَمْ يَمُتْ حِينَ أُسْقِطَ الْأَرْضَ أَمْطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ تَحْتَ الْأَرْضِ الْحِجَارَةَ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ شَاذًّا فِي الْأَرْضِ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}، ثُمَّ تَتْبَعُهُمْ فِي الْقُرَى، فَكَانَ الرَّجُلُ [يَتَحَدَّثُ]، فَيَأْتِيهِ الْحَجَرُ فَيَقْتُلُهُ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، بَلَغَنَا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَصْبَحَ نَشَرَ جَنَاحَهُ، فَانْتَسَفَ بِهِ أَرْضَهُمْ بِمَا فِيهَا مِنْ قُصُورِهَا وَدَوَابِّهَا وَحِجَارَتِهَا وَشَجَرِهَا، وَجَمِيعِ مَا فِيهَا، فَضَمَّهَا فِي جَنَاحِهِ، فَحَوَاهَا وَطَوَاهَا فِي جَوْفِ جَنَاحِهِ، ثُمَّ صَعِدَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حَتَّى سَمِعَ سُكَّانُ السَّمَاءِ أَصْوَاتَ النَّاسِ وَالْكِلَابِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافِ أَلْفٍ، ثُمَّ قَلَبَهَا فَأَرْسَلَهَا إِلَى الْأَرْضِ مَنْكُوسَةً، دَمْدَمَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، ثُمَّ أَتْبَعَهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ، حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعَّبٍ الْقُرَظِيُّ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسُلَّمَ قَالَ: «بَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْمُؤْتَفِكَةِ قَرْيَةِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّتِي كَانَ لُوطٌ فِيهِمْ، فَاحْتَمَلَهَا بِجَنَاحِهِ، ثُمَّ صَعِدَ بِهَا حَتَّى إِنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيَسْمَعُونِ نُبَاحَ كِلَابِهَا وَأَصْوَاتَ دَجَاجِهَا، ثُمَّ كَفَأَهَا عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ أَتْبَعَهَا اللَّهُ بِالْحِجَارَةِ، يَقُولُ اللَّهُ: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}، فَأَهْلَكَهَا اللَّهُ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْمُؤْتَفِكَاتِ، وَكُنَّ خَمْسَ قَرِيَّاتٍ، "صَنْعَةَ" وَ"صَعْوَةَ" "وَعَثْرَةَ"، وَ"دَوْمًا" وَ"سَدُومَ" وَسَدُومُ هِيَ الْقَرْيَةُ الْعُظْمَى وَنَجَّى اللَّهُ لُوطًا وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهِ، إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ فِيمَنْ هَلَك».
|